الديوان : قصائد وشعر محمود درويش . الشاعر/الكاتب : محمود درويش

-1- 
لو يذكر الزيتون غارسه 
لصار الزيت دمعا ! 
يا حكمة الأجداد 
لو من لحمنا نعطيك درعا ! 
لكنّ سهل الريح ، 
لا يعطي عبيد الريح زرعا ! 
إنّا سنقلع بالرموش 
الشوك و الأحزان ... قلعا ! 
و إلام نحمل عارنا و صليبنا ! 
و الكون يسعى ... 
سنظل في الزيتون خضرته ، 
و حول الأرض درعا !! 
-2- 
إنّا نحبّ الورد ، 
لكنّا نحبّ القمح أكثر 
و نحبّ عطر الورد ، 
لكن السنابل منه أطهر 
فاحموا سنابلكم من الأعصار 
بالصدر المسمّر 
هاتوا السياج من الصدور ... 
من الصدور ؛ فكيف يكسر ؟؟ 
إقبض على عنق السنابل 
مثلما عانقت خنجر! 
الأرض ، و الفلاح ، و الإصرار ، 
قل لي : كيف تقهر... 
هذي الأقانيم الثلاثة ، 
كيف تقهر ؟ 
*** 
-3- 
عيناك يا صديقتي العجوز، يا صديقتي المراهقة 
عيناك شحّاذان في ليل الزوايا الخانقة 
لا يضحك الرجاء فيهما ، و لا تنام الصاعقة 
لم يبق شيء عندنا ... إلّا الدموع الغارقة 
قولي : متى ستضحكين مرة ، و إن تكن منافقة ؟ ! 

كفاك يا صديقتي ذئبان جائعان 
مصّي بقايا دمنا ، و بعدنا الطوفان 
و إن سغبت مرة ، لا تتركي الجثمان 
و إن سئمت بعدها ، فعندك الديدان 
إنّا خلقنا غلطة ... في غفلة من الزمان 
و أنت يا صديقي العجوز... يا صديقتي المراهقة 
كوني على أشلائنا ، كالزنبقات العابقة ! 

الغاب يا صديقتي يكفّن الأسرار 
و حولنا الأشجار لا تهرّب الأخبار 
و الشمس عند بابنا معمية الأنوار 
واشية ، لكنها لا تعبر الأسوار 
إن الحياة خلفنا غريبة منافقة 
فابني على عظامنا دار علاك الشاهقة 

أسمع يا صديقتي ما يهتف الأعداء 
أسمعهم من فجوة في خيمة السماء : 
" يا ويل من تنفست رئاته الهواء 
من رئة مسروقة !... 
ياويل من شرابه دماء ! 
و من بنى حديقة ... ترابها أشلاء 
يا ويله من وردها المسموم " !!