لنكُن صريحين ، نحن نشكُ في النوايا الحسنة لهذا الوطن تجاه مبدعيه ، و لأنّ الإبداع شقيق الحرية، فالكتابة ليست وجاهة إنّما مسؤولية ، أي هي مُساءلة أيضاً .
إن تكريم المبدع الجزائري تبدأ باستعادة كرامته كمواطن . فالكرامة تأتي قبل التكريم، و لا نقبل بتكريم أقل من محاسبة الذين اختلسوا أحلامنا و ثرواتنا، بذريعتنا و على حسابنا، فآلةالفساد في هذه البلاد أكبر من أن لا يكون لهم يداً فيها .
مهرجان السلب و النهب، و السطو و النصب، قد بدأ باكراً. فبدعة "سنة الجزائر بفرنسا" التي كانت غنيمة بالعملة الصعبة على مدى عام ، لم تترك أثراً يُذكر سوى في خزينة الجزائر، وأنجبت لنا "سنة الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وندري أنّ هذه المهرجانات و الكرنفالات ، ستتناسل برغم أسمالنا الروحية و الثقافية ،التي تعرُض عوراتنا أمام العالم ...أكثر مما تصدر له وجهنا الجميل .
و المأساة أحبائي أكبر من الثقافة، و من عرسها ، و أكبر من
"عرس أولاد فتوح إلي اكلاوه أولاد فتوح " فمنذ الاستقلال و نحن ذاهبون نحو الكارثة و لا أحد يستطيع إيقاف هذا القطار المسرع بنا إلى المجهول.
بهذا الركب وصلنا الى هذا المطاف ..
أخطر من أموالنا المنهوبة ، و تلك المهدورة على مرأى من فقر 17 مليون جزائري 12في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر. ثمّة هويتنا المهدّدة بالذوبان و الزوال، بدءاً بهذه اللغة التي نتكلّمها ولا تشبه لغة في العالم ، لأنها خليط من اللغات ، بعد أن خسرنا غنيمة اللغة الفرنسية التي كُنّا نتفوّق بها على الفرنسيين أنفسهم، من دون أن نكسب عربية تليق بنا، بحكم مستوى التعليم الذي يسوء جيلاً بعد آخر، حدّ عجز الدولة عن تأمين إطارات كُفء لمؤسساتها.
و اسألوا أهل العلم يخبروكم بما يُبكيكم، فما عاد بإمكان الجزائر أن تعوّض تلك النخبة المتميّزة من أبنائها ، التي فقدنا نصفها على يدّ الإرهابيّين، و النصف الآخر بالقهر و التهميش والتحقير حدّ إرغامها على الهجرة الى بلاد الله الواسعة .
وكأنه لا يكفي أن نخسر نخبتنا و لغتنا ، فلقد اعتمدنا من دون شعوب الأرض هذا اللباس اللقيط الذي نرتديه ،و لا هويّة له و لا تاريخ ،بينما تُخصّص تونس يوماً رسميًا للاحتفاء باللباس الوطني ، بإجبار التونسيين على ارتدائه في يوم محدّد، يذهب فيه التونسيون جميعهم إلى العمل بزيّهم الوطني. أمّا عندنا فمع موت كل عجوز قسنطينيّة تموت ملاية ، و يختفي في العاصمة " الحايك" و" العجار" لتحلّ محله ثياب نسائية غريبة عنّا ، و يستبدل الرجال البرنس الذي كان وجاهة أجدادنا ودليل عنفوانهم ، بالزي الأفغاني العجيب.
وكل هذا على علمي ، مشروع ثقافي، وطنيّ سياديّ ، معنيون جميعاً به ،سواءً أقمنا في الجزائر أم خارجها . ذلك أن معركة الهويّة إن خسرناها سنُلحق بأنفسنا ضررًا لم يُلحقه الأعداء بنا. . يتبع