الديوان : قصائد وشعر غادة السمان . الشاعر/الكاتب : غادة السمان

ذات جرح ذات شتاء 
صحوت فوجدت يدي مبعثرة ..
كل اصبع ركب قطاره و مضى ..
فكيف اكتب إليك ؟

متوجة بظلماتي و احزاني و دهاليزي ...
معفرة بذكراك و روائح تبغك ..
محمولة على هودج من اسراري 
أمضي الى تلك الغابة الضبابية الماطرة 
التي لم يعد احد منها 
لكنني دوما اعود 
و استمر في الموت كل مساء 
حين افتقدك و ازحف شوقا اليك 
على صحاريالورق الابيض القاحلة ...

اتأمل نفسي في مرايا العيون ..
كم ابدوا من الخارج إمرأة أخرى 
أسارير قلبها منفرجة 
و متخمة بالحماقة و السعادة ...
كثيرات يحسدن تلك المراة
و يتمنين ان يتقمصنها ..و يقلدن صورتها ...
و انا ايضا احسدها ...
و اتمنى لو اكونها ...


ها انا اكرر المهزلة ...
ها انو اخون الطعم و الصنارة 
و انحاز الى الاسماك ..
ها انا اغادر اليخت 
لأمشي في تظاهرة السردين و نجوم البحر ...
هذا تاريخي مع حسابي المصرفي !!

آه كم يشبه البحر السماء 
و كم يشبه حضورك غيابك ...
و صدقك كذبك ..
و كم تشبه الاصداف الفارغة 
الجماجم المعبأة بالرمل ...
و كم تشبه البومة الفراشة 
و شهقة الولادة كم تشبه شهقة الاحتضار ...
و كم المسافة قريبة بين الفراش و القبر ...
فكيف نتشاجر 
لانك تفضل خيارك بملح اكثر 
و فراشك بوسادة اعلى ..
و امرأتك بردف أكبر ؟

و اشهد انني ذات شتاء احببتك 
احببتك منغلقا على ذاتك كحبة بندق ..
حزينا و شاحبا 
كأضواء النيون في المكتبة العامة 
عبر النافذة الماطرة الموسخة ..
متعبا و نصف ممزق 
كبطاقة ( مترو ) بين اصابع صبي نزق 
ذاهب الى مدرسته ..
فقيرا كلوحة عبقري مرمية في القبو 
بلا إطار ...
كسولا كالحرير ...خبيثا كالدانتيل ...عذبا كالمخمل ...
ثاقبا و حادا كالريح الليلية ..
التي تخترق صدري حينما اغادرك الى الثلج 
و اعبر ساحة الكونكورد 
المفتوحة لرياح الألب و البرادات النووية ..
و اشهد انني ذات شتاء 
احببتك حاسما كالموت شرسا كانتحار...
مرهفا و موسخا و نصف مقضوم 
كأظافر المراهقين ...
طويل القامة كقصب السكر ...حازما كاليأس ...
اقطفني عن الليل وردة سوداء ..
التقطني من الريح ... سنبلة تائهة 
و كن طواحين الهواء ..