1
يضع ابني علبة ألوانه أمامي
ويطلب مني أن أرسم له عصفورا ..
أغط ّ الفرشاة باللون الرمادي
وأرسم له مربعا عليه قفل .. وقضبان
يقول لي ابني، والدهشة تملأ عينيه :
” .. ولكن هذا سجن ..
ألا تعرف، يا أبي، كيف ترسم عصفورًا ؟؟ “
أقول له: يا ولدي.. لا تؤاخذني
فقد نسيت شكل العصافير …
2
يضع ابني علبة أقلامه أمامي
ويطلب مني أن أرسم له بحرًا ..
آخذ قلم الرصاص،
وأرسم له دائرة سوداء.
يقول لي ابني :
” ولكن هذه دائرة سوداء، يا أبي ..
ألا تعرف أن ترسم بحرًا ؟
ثم ألا تعرف أن لون البحر أزرق ؟ ..”
أقول له: يا ولدي.
كنت في زماني شاطرًا في رسم البحار
أما اليوم.. فقد أخذوا مني الصنارة
وقارب الصيد..
ومنعوني من الحوار مع اللون الأزرق ..
واصطياد سمك الحرية.
3
يضع ابني كراسة الرسم أمامي ..
ويطلب مني أن أرسم له سنبلة قمح.
أمسك القلم..
وأرسم له مسدساً ..
يسخر ابني من جهلي في فن الرسم
ويقول مستغربًٍا:
ألا تعرف يا أبي الفرق بين السنبلة.. والمسدس؟
أقول له يا ولدي ..
كنت أعرف في الماضي شكل السنبلة
وشكل الرغيف وشكل الوردة..
أما في هذا الزمن المعدني
الذي انضمت فيه أشجار الغابة
إلى رجال الميليشيات
وأصبحت فيه الوردة تلبس الملابس المرقطة ..
في زمن السنابل المسلحة
والعصافير المسلحة
والثقافة المسلحة
والديانة المسلحة ..
فلا رغيف أشتريه
إلا وأجد في داخله مسدسًا
ولا وردة أقطفها من الحقل
إلا وترفع سلاحها في وجهي
ولا كتاب أشتريه من المكتبة
إلا وينفجر بين أصابعي …
4
يجلس ابني على طرف سريري
ويطلب مني أن أسمعه قصيدة
تسقط مني دمعة على الوسادة
فيلتقطها مذهولًا.. ويقول:
“ولكن هذه دمعة، يا أبي، وليست قصيدة”
أقول له:
عندما تكبر يا ولدي ..
وتقرأ ديوان الشعر العربي
سوف تعرف أن الكلمة والدمعة شقيقتان
وأن القصيدة العربية ..
ليست سوى دمعةٍ تخرج من بين الأصابع ..
***
يضع ابني أقلامه، وعلبة ألوانه أمامي
ويطلب مني أن أرسم له وطنًا ..
تهتز الفرشاة في يدي ..
وأسقط باكيًا …
جنيف 20/1/1986