الكاتب : حسناء أضيف بتاريخ : 15-08-2016
كنت اظن منذ زمن "التراكيب"، " الصرف و التحويل" أن الكتابة تَرَف كبير ... عندما تنفرد شراهة الابجدية بقطعة ورق وترى العبارات تهطل بغضب على مظلتك لتكسرها على رأسك، وكلماتك امام المرأة تتبرج قبل ان تاتي اليك في استحياء واخرى عجوزة تنظر اليك من فتحة الباب،... وعبارات تكتفي ان تحط اذنها على الحائط المستند عليه لتطمئن على ضربات قلبك السريع ولا تطمئن إلا عندما تقفز بحضنك ... تصطف بتواز على البياض... لم تكن ترفا ابدا... انها حاجة، ككوب الماء بعد قرص "الأندرال" اليومي ... ليس ترفا، عندماً تكتب عن أشياء عملاقة تعتصرك، عن غصة تبلعها وتطفو في حلقك كقطعة من فلين ...انها كحضرة المجانين، ترقص الاحداث في مجون، عاليا تلوح الايادي في هيستيريا، وتُذبح الذبائح، يُلطخ الورق ويُشوه كل شيء.
ما ان يجن الليل، يبدأ كلًشيء بالزحف نحوي، واكاد اسمع مسار العصير الى معدتي، وناقوس كنيستي يظفي لمسة الإستفزاز التي تنقص المشهد، ولاسكينة الا بعد إستفراغ كل مافي جوفك من كلام لم يخلق داخلك ليقال ... فقط ليكتب بسرعة قبل أن ينسل من بين يديك كمن يجتهد لإلغاء قنبلة تكاد تنفجر كل ليلة في وجهه، إجتهد في صنعها مجهول ذي ظل طويل ليس من مدينتنا قبيح لا أحد يعرفه ... وحولك اوباش تراهن على الرابح من مبدأ : "اللخر عويشة" ... فأي ترف بهذا ، خلق البعض وبهم حاجة الكتابة .. كما خلق اخرون للفن والعلم وخلق بعضهم للسعادة واخرون كثيرون للشقاء .... إن فهمت المقصود أخرج الٱن وٱصرخ بها عليا وٱكتبها على جدران المدارس إلى أن تجوب كل الشوارع وعُد فجرا لترقد بسلام وقد غادرتك تلك اللعنة .
إنها استعباد قبيح الجمال ... انها انت عاريا من منطق الاخرين، من ارائهم عنك، من نظرتهم اليك، انها ترجمة فردية لاحاسيس فردية، لتجارب فردية، لقناعات فردية، وانتكاسة زمن عشت به انت وحدك ولم يشاطرك إياه احد سواك ... إنها توهج لامرئي، شرارته تحرقك أنت فقط ...انها افكارك انت، نظرتك انت، وحياتك انت ... وليس ترفا ان يكون قاموسك غنيا انيقا، فنفسها الكلمات وبأناقتها تلتف حول رقبتك كل ليلة قبل الذهاب الى الفراش، تحاول ان تنال منك ان لم تخضع لها ... والتمرد ابدا ليس واردا مادمت عَبد فقر فلسفة لاترف فيها سوى الاحتراق وبضع دمعات باليوم... كل يوم.
فلنتفق إذن أن الكتابة ليست إلا كلام أبكم أعرج يمخر العظام بعكازه ولم يُخلق له لسان. حسناء/ أكتوبر 2013