الكاتب : محمود درويش أضيف بتاريخ : 01-09-2016
يعد محمود درويش واحداً من أهم الشعراء العرب الذينَ تغزلوا في في القهوة، فالقهوة عند محمود درويش لها قدسيةٌ خاصة، وقد لاقت كتاباتهُ عن القهوة رواجاً عالمياً، وترجمت إلى اكثر من لغة.
وعرف محمود درويش بحبه الشديد للقهوة، فكثيرا ما كان يقول انه لا يريد من هذه الدنيا سوى رائحة القهوة، فقهوة محمود درويش مشهورةٌ، يحبُّ ان يصنعها بيدهِ، لا ان تاتيهِ على طبقٍ كما يقول، وقد كشفَ في مقابلةٍ تلفزيونة اعدت معهُ كيفَ يصنعُ قهوته، يشربها من غير سكر، فهو يضعُ الماء اولاً حتى يغلي جيداً، وبكل هدوء يضعُ القهوةَ، وتغلي بهدوء ايضاً الى ان يختفي وجهها.
وموقع أدبنا أختار لكم أجمل ما قال محمود درويش عن القهوة:
-محمود درويش والقهوة - القهوة محمود درويش - قهوة محمود درويش -
وحيداً أصنع القهوة وحيداً أشربُ القهوة.
فأخسر من حياتي الآخرين .. أخسر النشوة ..!!
القهوةُ لونُ الارض، رائحةُ الارض بعد بعد اول مطر، في اول الفجر.
القهوة لا تُشرب على عجلٍ
القهوةٌ أخت الوقت تُحْتَسى على مهلٍ وتصنعُ على مهلٍ
القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة البني
القهوة تأمّلٌ وتغلغل في النفس وفي الذكريات ..
القهوة هي هذا الصمت الصباحي الباكر المتأني
القهوةُ أنثى وحيدة:
القهوةُ هي الوحيدة التي تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل و عزلة، وفي سلام مبتكر مع النفس والأشياء، وتسكبه على مهل في إناء نحاسي صغير وداكن وسري اللمعان، أصفر مائل إلى البني ثم تضعه على نار خفيفة ، آه لو كانت نار الحطب.
والقهوة هي مفتاح النهار وأوله:
هي أن تصنعها بيديك لا أن تأتيك على طبق لأن حامل الطبق هو حامل الكلام والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت المتناهي، وفي الفجر نقيض الكلام ورائحة القهوة تتشرب الأصوات ولو كانت تحية رقيقة مثل صباح الخير وتفسد....
والقهوةُ ذكريات .. ذكرياتِ من شربوها معنا في مكانِ ما مشبعٍ بالحنين.
والقهوةُ تعكسُ صانعها وحاملها:
لأن القهوة مرآة اليد واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها وهكذا فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار وحامل القهوة من أسرار،
وللقهوةِ مفعولُ السحرِ في أصلاح الذاكرة.
لا يوجد مذاقٌ محدد للقهوة:
أعرف قهوتي وقهوة أمي وقهوة أصدقائي أعرفها من بعيد وأعرف الفوارق بينها، والسبب في أن لا قهوة تشبه قهوة أخرى ليس هناك مذاق اسمه مذاق القهوة، فالقهوة ليست مفهوما وليست مادة واحدة وليست مطلقا، لكل شخص قهوته الخاصة به، إلى حد أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بمذاق قهوته.
فالقهوةُ مذاق:
ثمة قهوة لها مذاق الكزبرة وذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتبا، وثمة قهوة لها مذاق الخروب ذلك يعني أن صاحب البيت بخيل وثمة قهوة لها رائحة العطر ذلك يعني أن السيدة شديدة الاهتمام بمظاهر الأشياء، وثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم ذلك يعني أن صاحبها يساري طفولي، وثمة قهوة لها مذاق القدم من فرط ما تألب البن في الماء الساخن، ذلك يعني أن صاحبها يميني متطرف، وثمة قهوة لها مذاق الهال الطاغي ذلك يعني أن السيدة محدثة النعمة.
ولهذا : أيدي لا تجيد صناعة القهوة، لن تجيد كتابة قصيدة.
والقهوةُ عطرُ أمي الصباحي المفضل.
لا تشابهَ في القهوة:
لا قهوة تشبه قهوة أخرى لكل بيت قهوته ولكل يد قهوتها لأنه لا نفس تشبه نفسا أخرى، وأنا أعرف القهوة من بعيد تسير في خط مستقيم في البداية، ثم تتعرج وتتلوى وتتأود وتتلوى وتتأوه وتلتف على سفوح ومنحدرات، تتشبث بسنديانة أو بلوطة، وتتغلب لتهبط الوادي وتلتفت إلى ما وراء وتتفتت حنينا إلى صعود الجبل، وتصعد حين تتشتت في خيوط الناي الراحل إلى بيتها الأول.
القهوة كالحب
قليلٌ منه لا يَروي
وكثيرٌ منه لا يُشبِع
والقهوةُ رائحة:
رائحة القهوة عودةٌ وإعادة إلى الشيء الأول، لأنها تتحدر من سلالة المكان الأول، هي رحلة بدأت من آلاف السنين وما زالت تعود.
القهوة مكان:
القهوة مسام تسرب الداخل إلى الخارج وانفصال يوحد ما لا يتوحد إلا فيها هي، رائحة القهوة هي ضد الفطام ، ثدي يرضع الرجال بعيدا ، صباح مولود من مذاق مر حليب الرجولة والقهوة جغرافيا.
وانا أريد رائحة القهوة.. لا أريد غير رائحة القهوة.. ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة.
محمود درويش
واقرأ ايضاً: