كأية بومة أخرى عاشقة،
أعتقد أن الليل انتشر ببياضه الفاحم
كي أمارس طيراني
إلى عينيك المسكونتين بالدهشة والسرّ،
كالعيون الجميلة للبوم..
تلك النجوم التي تراها
هي آثار خطاي وأنا أمشي صوب حبك...
في دربي إلى زمنك،
أمرّ بحقول تقتتل قبائلها وعشائرها..
فيتهمونني بإضرام النيران..
أمرّ بالأشلاء على أرصفة البكاء..
فيتهمني الجلادون بإعدام الضحايا،
وتصدّق الأمهات تلك الأكذوبة...
أمر بآثام كثيرة في دربي إلى عينيك..
آثام لا تصدق، ترتكبها
تلك الطيور مقصوصة الأجنحة، الملقبة بالبشر...
وحين أنعق ذعراً من شؤم الناس
يلعنون صوتي، بدلاً من لعن آثامهم...
***
أطير صوب ضوء منتصف الليل.
بعيداً عن مؤامرة قص أجنحتي..
هل شاهدت يا صيديقي مرة،
بومة من بني قومي تختطف أخرى، وتعذِّبها؟
هل شاهدت مرة، بومة مثلي تقصف بيتك؟
.. وأنا التي أستقل الريح، بالمحبة والدهشة
وأطير فوق خطوط كف الليل.. إليك؟
دوماً كان سلوك قومك غامضاً
حتى تحت الشمس، وسلوكي بالغ الوضوح في الظلام..
فهل ذنبي الوحيد أنني أحب الليل؟
***
لقد فتحت صندوق الأسرار..
فماتت الأصوات في حنجرتي..
كنت مرة حمامة، رافقت السندباد في رحلاته..
فاتسعت عيناني ذعراً ودهشة،
وتشردت مع "عوليس" في محيطات عرائس البحر..
وتسلقت جبال العقاب مع "سيزيف"
وحين حدقت في نار المعرفة سلمت عيناي
ولم أعد بعدها قادرة على التحديق في ضوء النهار..
ولكنني صرت أرى بوضوح ضوء العتمة
وأشباح الأسرار.. وأسمع دمدمات الأزلية
وهي تُجري لليل عملية القلب المفتوح..
وأطير بصمت بجسدي الصغير كحمامة
وأمد جناحيّ من الأفق إلى الأفق
فيخافني القتلة، لأنني أفاجئهم وهم يقترفون آثامهم...
***
أطير بين أريج أوراق الصيف وأشجاره البلورية..
أطير ، وتتكسر فضة القمر حول أجنحتي..
ألاطف الأشباح الوديعة، وأرواح الموتى
وأتحاشى ابن آدم وابن آوى..
أقطف لك تعويذة من الغابات السرية للفرح
كي لا يصيبك نحس بني قومك البشر
الذين يلوثون البحار ويجرّحون بشرة الفضاء
ونتشاءم منهم كثيراً نحن معشر البوم اللطفاء..
نتشاءم يا صديقي من جلادي بلدك
الذين يسنّون أنيابهم على أطراف سكاكينهم..
ويتربعون فوق التوابيت محاضرين عن البهجة..
يتسللون في الظلام، يقطفون المدن بمنجل النار.
فكيف لا أنظر إليهم بعينين تنطقان اتهاماً؟
وكيف لا ترتعد ضمائرهم المثقلة أمام نقمتي؟
وكيف أقنع شعبك المكسور ببراءتي
لينقضَّ على أبناء الشؤم،
الذين يزرعون الجماجم في حقول الحزن؟...
***
انصتْ إليهم يا صديقي،
وهم ينعقون في كرنفالات الشعارات
المطرّزة على جلد آلاف القتلى..
وقل لي من لعنة الخراب ونذير الشؤم؟...
انظر إلى مهرجان الموت العبثي هذا،
وقل لي: لماذا لم يعد أحد منهم يجرؤ
على تسمية القاتل الحقيقي سواي؟
طيراني هادئ كخطى الأشباح
لأنني أخاف، أولئك المنحوسين البشر
المنكبّين على وطنهم طعناً بالخناجر والمخالب
لاقتسام جسده المصلوب
غارسين راياتهم في بطون الحوامل وعيون الأطفال...
وكل ليلة، أعلن حقيقتي "البومية"
ولا أتخفى بريش طاووس،
فمتى يخلعون أقنعتهم ويُعنون أنيابهم
التي لم تعد تخفى على أحد؟...
وكيف لا يتشاءم معشر البوم منهم؟...
شاهدت رجلاً يأكل لحم أخيه ليلاً،
ويترأس جمعية "النباتيين" نهاراً،
شاهدت تاجر السلاح يبيعه ليلاً،
ويخرج على رأس تظاهرة "اللاعنف" نهاراً،
شاهدت امرأة تسيل ناراً أمام حبيبها ليلاً،
وتنكره ثلاثاً قبل صياح الديك،
فكيف لا أتشاءم من البشر؟...